تعيش مدينة طنجة منذ سنين في حالة من الفوضى والتسيب، حيث انتشار مهول للفساد في جميع القطاعات، مما جعلها تتأخر كمدينة ساهمت في صنع التاريخ الوطني والدولي. والسبب لا يخفى على أحد، فتدهور حال المدينة يرجع بالأساس إلى تولي أصحاب المال والنفوذ ومزارع "الكيف"، مناصب مهمة بالمدينة، كنخبة سياسية محلية، كما دخلها البعض الآخر حفاة عراة، ليصبحوا أصحاب ملايير.
الأماكن العمومية بالمدينة كالمقاهي والمطاعم والنوادي الليلية وغيرها، استوطنها أناس يسيرونها على هواهم، فبدل إحترام أوقات الإغلاق كأي مدينة تُحترم فيها القوانين، أضحت طنجة تمثل حالة شاذة في المغرب، إذ أن بعض ملاهي "ليالي الأنس والفرفشة" لا تقفل أبوابها إلا في ساعات الصباح الأولى، من دون الإشارة لما تقدمه من مشروبات كحولية ومواد ممنوعة، ليعيث روادها في أحياء طنجة فسادا، كما أن بعض النوادي تقدم الشيشة من دون احترام معايير السلامة والقوانين، وهو ما جعل من الشيشة "وليمة" يومية للبعض وليلية لبعض "مغاربة بلاص".
تتوفر الجماعة الحضرية على قسم خاص بمراقبة الأماكن العامة، إلا أن أصحاب هذه المرافق المخالفة تربطهم علاقات وطيدة مع مسؤولين نافذين يقدمون لهم حصانة تجنبهم من تطبيق القانون وتحميهم من المتابعة، حتى أن بعض عناصر الأماكن العامة وحسب مصدر موثوق تتجول في الملاهي والمقاهي.. وتجمع المعلومات دون أن تتلفظ بشفا كلمة، بل تعتمد أسلوب المجاملة والمحاباة.
وعودة لموضوع الشيشة فقد أصبحت هذه الأخيرة نجمة مجموعة من الأماكن العامة، إذ تحولت بعض مقاهي المدينة ومطاعمها لنوادي خاصة لا تستقبل إلا زبائن معلومين، تقدم لهم الشيشة صباحا ومساء دون حسيب أو رقيب في جو "مراكشي" لا يتخلى عن حضوره حتى بعض المستشارين المحترمين العاشقين لكرة القدم لدرجة "البلاهة"، ويزداد الوضع سوءا في بعض قاعات "الكولفازور" التي تحولت لما يشبه وكرا للدعارة، من صنف "روكسي"، ولجميع الأعمال المنحرفة حيث ينتشر الفساد بكل تشكيلاته من بيع للمخدرات واستقبال القاصرات والعاهرات وحتى الراقصات داخل هذه الأوكار المسماة "قاعات الكولفازور". محلات أخرى تحولت إلى أوكار لتعاطي كل الممنوعات مع بيع لـ "الرغايف والحرشة" من أجل التمويه رغم أن شارع المقاومة يبقى هو شارع المقاومة!
من المسؤول؟ وكيف يمكن إنقاذ مدينة طنجة من أشخاص لا يبتغون إلا الربح؟
لا أحد مسؤول عن وضع طنجة الحالي، فوالي الأمن وكذا رئيس قسم الاستعلامات العامة ينفون صلتهم بهذه التصرفات، فالكل ينسب المسؤولية للآخر، ولا من محاسب.
ربما نحن بحاجة لنساء استعلامات الرباط اللواتي ساهمن في إغلاق عدة حانات بمدينة الدارالبيضاء، بعد ثبوت ارتكابها مخالفات ارتبطت بالدعارة واستغلال القاصرين وعدم احترام أوقات العمل، لكن وكما يبدو، فالمشكل ليس مشكل فلان من البيضاء أو الرباط لكنه مشكل رؤوس بطنجة لا تريد إزعاج أصدقائها، ففي وقت سابق كانت قد حلت بالمدينة لجنة من العاصمة الرباط، للقيام بالتحريات لكنها عادت أدراجها في إنتظار تقرير قد يفتح ملفا خيّم كثيرا، فالتقرير الذي ينتظر ضوءا أخضر من جهات عليا قد يبقى حبيس الأدراج كغيره.
فهل تستطيع الاحتجاجات الأخيرة قلب الأوراق وفرض التغيير؟ خصوصا وأن الملاهي غير مرحب بها في الغالب إذ كانت الهدف الأول لأعمال شغب 20 فبراير الماضي.
|